رئيس مجلس الإدارة
د.محمد فايز فرحات
رئيس التحرير
إيمان عراقي

دولي

رغم تجاوز أرباحها.. 1.5 تريليون دولار شركات الأدوية تضحي بالعمال لتعظيم الإيرادات

19-10-2025 | 12:54

كتبت: شريفة عبد الرحيم

 

جاء تسريح شركات الأدوية الكبري للعمال ليسلط الضوء مرة أخرى علي صناعة الدواء العالمية، ففي الفترة 2025-2024، أعلنت العديد من الشركات عن تسريح الآلاف، وذلك على الرغم من ارتفاع إيراداتها، التي بلغت 1.5 تريليون دولار سنويا، خلال السنوات الأخيرة.
ويواجه اللاعبون الكبار في صناعة الدواء اتهامات عدة وانتقادات لاذعة بخصوص الطرق التي يتم بها تطوير الأدوية واستراتيجيات تسويقها.
فماهي أبرز اتجاهات صناعة الدواء العالمية؟.

تخطط “نوفو نوردسيك” لتسريح  11 % من موظفيها مع تفاقم المنافسة في مجال علاجات السمنة، وخفض توقعات الأرباح. وستخفض الشركة 9000 وظيفة عالميا، في سعيها لاستعادة مكانتها التي خسرتها أمام منافستها “إيلي ليلي”، في سوق أدوية السمنة التي تتمتع بأعلي معدلات نمو في صناعة الأدوية.
كانت الشركة الدنماركية المصنعة لدواءي “أوزمبيك” و”ويجوفي” أعلنت مؤخرا أنها تهدف إلى توفير 1.3 مليار دولار بحلول نهاية عام 2026، واستثمار تلك الأموال في تطوير وتسويق أدوية جديدة. وستؤثر تلك التخفيضات على 5000 وظيفة في الدنمارك، التي يعد تسريح العمال الجماعي فيها أمرا نادرا للغاية.ويبدو أن عمليات تسريح الموظفين في شركات الأدوية الكبرى لا علاقة بها بالأزمة المالية، فلا يزال القطاع يحقق إيرادات قياسية، وإنما بإعادة هيكلة العمل، فتتجه عمليات تسريح العاملين إلى أن تكون على شكل موجات، لا تتعلق دائما بضعف الأداء، وإنما باستراتيجيات الصناعة وتكاليفها لاسيما مع تغيير الأولويات والاتجاهات. 
من أبرز الأسباب التي دفعت شركات الأدوية الكبرى إلى خفض الوظائف في الفترة 2024-2025، انتهاء صلاحية براءات الاختراع، فالعديد من الأدوية الرائجة سوف تفقد حماية براءة اختراعها في منتصف عشرينيات القرن الحادي والعشرين. وبمجرد دخول الأدوية البيولوجية المماثلة إلى السوق يمكن أن تنخفض الإيرادات بنسبة 50-80  %  خلال عام.
ومن ثم تعيد الشركات هيكلتها بخفض مندوبي المبيعات، والبحث والتطوير، للتكيف مع انخفاض الإيرادات.
 وسبب رئيسي أيضا هو الاتجاه إلى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والبحث والتطوير الرقمي، الذي يقلل من الحاجة إلى فرق اكتشاف كبيرة في المراحل المبكرة، وعدد الفنيين.
هكذا تخفض الشركات الوظائف في العمليات القديمة بينما تستثمر في شراكات الذكاء الاصطناعي. وتقوم الشركات بإعادة ترتيب خطوط الإنتاج، ففي حال فشل التجارب في مراحلها الأخيرة، وهو أمر شائع، تلغي الشركات تلك البرامج وتقوم بتسريح الذين كانوا يعملون فيها. وعلي سبيل المثال، قامت شركة “بنفولنت للذكاء الاصطناعي” بتسريح نحو 50% من موظفيها، بعد فشل دواء مصمم بالذكاء الاصطناعي في المرحلة الثانية.
من ناحية أخري، عندما تستحوذ الشركات الكبرى على شركات التكنولوجيا الحيوية يتم دمج الوظائف المتداخلة، مثل الموارد البشرية، الشئون القانونية، المبيعات، والمعامل .وهو ما حدث عند اندماج شركتي”فايزر” و”سيجين”، في عام 2023، من إعادة هيكلة وتخفيض الوظائف في عدة أقسام.
اما علي صعيد خفض التكاليف وتعزيز الأرباح، فارتفاع أسعار الفائدة، والتضخم في قطاع التصنيع، وضغوط التسعير – لاسيما في الولايات المتحدة بعد مفاوضات أسعار الرعاية الطبية- أدي إلى تقليص هوامش الربح.
وعادة ما يعمل خفض الوظائف علي طمأنة المستثمرين ويحافظ على ربحية السهم. 
الأسباب الرئيسية لخفض العمالة في شركات الأدوية تشمل أيضا عوامل جيوسياسية وضغوط سلاسل التوريد، فحرب الرسوم الجمركية واتجاهات إعادة التصنيع إلى السوق المحلي، تدفع الشركات إلى الاستثمار في مصانع جديدة، سواء في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، مع تقليص حجم العمليات في الخارج.على سبيل المثال، تعهدت شركة “أسترازينيكا” باستثمار 50 مليار دولار، لكنها سوف تخفض عدد الموظفين في أوروبا وآسيا لموازنة التكاليف، في إطار هدفها لتحقيق ايرادات سنوية بنحو 80 مليار دولار بحلول عام 2030.التركيز علي مجالات النمو المرتفع يؤدي الي خفض العمالة أيضا، فتتجه كثير من الشركات هذه الأيام إلى التركيز علي أدوية السمنة، والأورام، والعلاجات الجينية، ما يؤدي إلى تسريحات للعمال في المجالات “القديمة”، مثل علاجات أمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض الجلدية، والمضادات الحيوية، وهي التي لم تعد تحقق نفس عائد الاستثمار.

أرباح الشركات الكبري:
تحقق شركات تصنيع الأدوية ذات العلامات التجارية هوامش ربح عالية، غالبا ما تتراوح بين  15% و30% - مع أن ذلك يعتمد بشكل كبير على دورة حياة المنتج، والمنافسة، والتكلفة، والبحث والتطوير. أما شركات تصنيع الأدوية الجنيسة، فهي أقل بكثير، - وهي أدوية بديلة للدواء الأصلي ذي العلامة التجارية، ويتم تصنيعها بعد انتهاء صلاحية براءة اختراع الدواء الأصلي، وغالبا ما تكون تكلفتها أقل.
في 2024، ارتفع إجمالي إيرادات أكبر 20 شركة أدوية حيوية عالمية مدرجة في البورصة بنسبة 7.9% عن عام 2023، ليصل إلى نحو 880.4 مليار دولار.
وشهدت العديد من الشركات نموا مرتفعا بشكل خاص، بما يزيد عن 10%، فارتفعت إيرادات “إيلي ليلي” بنحو 32%، “نوفو نورديسك” بنحو 25.5%، “أسترازينيكا” 18%، “نوفارتس” 10.8%.
كانت أفضل الأدوية من حيث المبيعات وأسرع القطاعات نموا هي، دواء كيترودا لشركة “ميرك”، ومن المتوقع مبيعات بين 30 و 31 مليار دولار في عام 2025. وكذلك أدوية السمنة والسكري أوزيمبيك لشركة “سيماجلوتايد”، بمبيعات تقارب 21 مليار دولار، ودواء مونجارو لشركة “تيرزيباتيد”، بمبيعات بنحو 19 مليار دولار في 2024.

أبرز اتجاهات صناعة الدواء العالمية:
من أبرز اتجاهات صناعة الدواء في العالم استخدام الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية الذي يسرع دورات التطوير.
لكن ووفقا لتقرير لصحيفة فاينانشال تايمز فإنه حتى 12 سبتمبر 2025، لم تصل أي أدوية مصممة بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي إلى المرحلة الثالثة أو تم اعتمادها. ومعظم الأدوية المرشحة المبتكرة باستخدام الذكاء الاصطناعي موجودة في المرحلتين الأولى والثانية.
وتعد الأدوية البيولوجية والعلاجات الجينية محركات رئيسية لنمو صناعة الدواء أيضا.
علي صعيد نشاط الدمج والاستحواذ، تتجه شركات كبرى للاستحواذ على شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية.
ومن أبرز الاتجاهات الجديدة أيضا، التحول إلى الطب الشخصي، والعلاجات المصممة خصيصا لعلم الوراثة. وكذلك الاتجاه إلى زيادة التصنيع المحلي، في ظل الضغوط الجيوسياسية، وبعد أزمات سلسلة التوريد الناجمة عن وباء كوفيد-19.

ما هي صحة الاتهامات الموجهة إلى "شركات الأدوية الكبري"؟

“فايزر”، “جونسون آند جونسون”، “روش”، “نوفارتس”، “ميرك آند كو”، “سانوفي”، “أسترازينيكا”، “جلاكسو سميث كلاين” ... مجموعة “شركات الأدوية الكبرى”  أو “Big Pharma”..، المصطلح المستخدم لوصف أكبر شركات الأدوية في العالم كمجموعة واحدة، والمستخدم في النقاش حول صناعة الدواء، تكاليف الرعاية الصحية، براءات الاختراع، واللوائح التنظيمية.
شركات تصنيع الأدوية متعددة الجنسيات ذات الإيرادات الضخمة، والانتشار العالمي، ومشروعات البحث والتطوير واسعة النطاق، تلك تحقق مجتمعة إيرادات تزيد عن 1.5 تريليون دولار سنويا، اعتبارا من منتصف عشرينيات القرن الحالي، حيث تتمتع بربحية عالية، نظرا لتحقيق الكثير منها بهامش ربح يتراوح بين 15% و30%.
في الوقت نفسه، ينفق القطاع أكثر من 200 مليار دولار سنويا على البحث والتطوير.
من أبرز الانتقادات الموجهة لشركات الأدوية الكبري ارتفاع اسعار الأدوية وممارسات التسويق، فوفقا لبعض الدراسات، فإن العديد من أكبر شركات الأدوية تنفق على التسويق أكثر من إنفاقها على البحث والتطوير. على سبيل المثال، توصلت إحدى الدراسات التي أجرتها “جلوبال داتا” إلي أن من بين “أكبر شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة”، يُخصص نحو 0.22 دولار فقط من كل دولار للبحث والتطوير، بينما يُنفق مبلغ أكبر بكثير على التسويق، ففي كثير من الحالات تتجاوز نفقات التسويق نفقات البحث والتطوير، وأحيانا بأضعاف.
ومن أبرز الانتقادات أيضا ممارسات حماية براءات الاختراع، حيث تستخدم شركات الأدوية الكبرى استراتيجيات لتوسيع نطاق الاحتكار من خلال براءات اختراع إضافية على تعديلات طفيفة، وهو ما يطلق عليه “التجدد الدائم” للأدوية، أو عن طريق إنتاج تركيبات جديدة كليا، الأمر الذي يؤخر منافسة الأدوية الجنيسة. على سبيل المثال، تمتلك “جونسون آند جونسون” و”آبفي” “مجموعة براءات اختراع” تضم أكثر من 150 براءة اختراع، ويمتد نطاق الحصرية حتى عام 2036 تقريبا.
تتهم شركات الصناعات الدوائية بالضغط والتأثير السياسي، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث يعد قطاع الأدوية والمنتجات الصحية من بين أكبر المنفقين على اللوبي السياسي. وفي عام 2024، بلغ إنفاق القطاع على الضغط نحو 294 مليون دولار، وفقا لاحصاءات “ستاتيستا”.
كانت شركات الدواء أنفقت نحو 4.7 مليار دولار في الفترة من 1999 إلى 2018، على الضغط على الحكومة الفيدرالية الأمريكية، بمتوسط نحو 233 مليون دولار سنويا، وهو مبلغ يفوق أي قطاع آخر. وتستخدم أيضا تبرعات الحملات الانتخابية للتأثير على نتائج الانتخابات ودعم المرشحين

اخر اصدار